يوليو 12, 2023
صوت النرويج / مالبورن / لقد كانت أخر مكالمة هاتفية بيني وبينك ياأمي في أواخر ربيع عام 2008. وأتذكر أيضاً أخر كلماتك في حوارنا الأخير .. وأنت تسأليني . متى يكون لك وطن ياولدي!!؟؟
فاجبتك.. باني أنتمي الى بلدين هما العراق وأستراليا فضحكتي من اجابتي وانت كنت تخبريني لا ليس هذا ماقصدت ياولدي؟؟
وحين زرت مثواك الاخير .. في مقبرة السلام في النجف في ذات العام الحزين .. كم تمنيت حينها لو كان ليّ جناحيين كي أحلق الى السماء وأزور مقام روحك هناك قرب عرش الله !!
رثاء الى نخلة سومرية
الى روح أمي
ذات ليلة موحشة وباردة في مدينة ملبورن كنت أتدفأ أمام موقد خشبي ، وأنا أتذكر الحكمة الوجودية للوالدة المرحومة
(تاري النار جنة والمومن جذب) !!
حين كنت طفلاً في التعويذة السابعة المحفورة فوق حجر الفيروز وأنا أشاهد أمي وهي كانت تدور كالنحلة دون توقف، وهي تملأ في سطلها النحاسي بمياه الامطار التي كانت تهطل بغزارة وسط حوشنا القديم في شارع عشرين حيث مدينة الناصرية.
فتنقل بمياه الامطار من داخل الدار ثم تلقيها خارجاً فوق رصيف الشارع ثم يتكرر هذا المشهد .. وهي تصارع المطر كي تنقذ الدار من الغرق.
وحين تشعر أمي بأن أطرافها قد تجمدت من قساوة البرد تعود لتتدفاً قليلاً فوق مدفأة (علاء الدين) النفطية في الغرفة الطينية قبل أن تبدأ بمهام نقل مياه الامطار مرةً أخرى .
لك ينابيع المحبة والسلام
يا فاطمة الطيب أيتها الام العراقية. والتي لم أشعر يوماً انك فرقت مابين أطياف العراقيين. أو البشر في كل مكان.
يا نخلة كانت شامخة فوق ضفاف رافدين الله. حتى وأن اعوج جذعك .. فذلك هو انحناء النبل والطيبة لانك كنت تمنحين أعذاق الرطب في موسم العطاء الى الجياع والعابرين .
وحين أحرث في حقل ذاكرة الطفولة كانت تستحضرني مقتنياتك من صور الانبياء والائمة والقديسين، وهي تتوسط الجدران أو تعتزل في الزوايا.
وكآن مقام الغرفة الطينية مثل متحف أو محراب كان هناك.
في منتصف الجدارالذي يقابل الباب كانت تعلو لوحة للنبي محمد وهو يحمل القرآن وخلفه كانت هالة نور تشع في الفضاء .. وتليها صورة أخرى الى ابن عمه الامام عليّ وهو يحمل سيف ذو الفقار.
وصورة أخرى لفاجعة كربلاء وهي تجسد شخصية الحسين حين كان يحتضر بجراحاته مع فرسه البيضاء الجريحة في معركة الطف.
وكانت مآساة عاشوراء من أكثر التراجيديا التي اثرت في طفولتي وأنا كنت أتسائل عن سبب المعاناة والالم في هذا الكون !!
ومن ضمن الصور الملصوقة التي كانت في البوفية الخشبية والمصنعة بطراز انكليزي .
كانت صورة للمعيدية (موناليزا سيدة الاهوار ) والتي كانت تعد اسطورة جمال لامرأة فاتنة عراقية وقع بغرامها ضابط انكليزي في زمن الاحتلال البريطاني للعراق آنذاك .
وكانت هنالك أيضاً صورة غالباً ماكانت تثير فضولي معلقة في منتصف الجدار المقابل الى باب الغرفة وهي تمثل عيسى مصلوباً وخلفه كانت سماء داكنة وعاصفة وتحت صليبه كانت أمه مريم تبكيه بقلب ينزف الدم والفجيعة .
ولوحة أخرى كانت في زاوية الغرفة يظهر بها آدم وحواء مع شجرة التفاح والافعى الماكرة في الجنة .
ثم صورة أخرى قديمة يظهر بها النبي موسى مع الواحه.
وكانت هنالك أيضاَ تمائم وأحجار تحب أن تجمعها أمي.. مثل المسبحات وترب الصلاة وأحجار أم سبع عيون وقلائد الحرمل ومخطوطات وأدعية.
لقد ارتحلت الصور والبوفية والتمائم والتسامح والشناشيل فوق سحابة النسيان …
وتوارت الوالدة الى مثواها الاخير