قصة اليوم : قصة الفرس فضة … نص ولوحة بقلم سعد محمد موسى

صوت النرويج / مالبورن / قصة الفرس فضة … نص ولوحة بقلم سعد محمد موسى

حوافر الفرس التي وشمت آخر الطرق

كانت أخر الاناشيد وإرتحالات صدى الصهيل المبكر للمهرة “فضّة” يتوارى بفضاءات البادية حين وأد الاعرابي دلالها بعد فطامها عنوة من ثدي أمها كي يبيعها الى تاجر خيول مقابل حفنة دنانير.

غادرت فضّة بشاحنة تاجر الخيول الى مدينة بغداد بعد أن ودعت أمها بنظرات بائسة وهي تأفل بعيدا عن البادية من وراء قضبان عجلة نقل الخيول الى منطقة “الوشاش” في العاصمة بغداد، ليتم تدريبها واعدادها فيما بعد لسباقات الفروسية التي تقام في مدينة” المنصور” البغدادية.

كان مراهنو سباقات الخيول يزحفون باعداد غفيرة من كل صوب وحدب ومن المدن الاخرى أيضاً الى ساحة سباق الفروسية في المنصور في صبيحة كل يوم جمعة حيث تبدأ الرهانات وصراخ المقامرين وشتائمهم الغرائبية!!.

في أولى سباقات الفروسية التي شاركت فيها فضة عندما كانت تتراقص بعنفوان تحت أشعة شمس ربيع آذار ولم يكن المراهنون حينها يعرفون شيئاً عن فضة، تلك الفرس الرشيقة والسريعة.. حين زجت بأحدى السباقات.

كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع حين توجت تلك الفرس الجديدة بالفوز بعد أن إكتسحت جميع الخيول المتسابقة واحرزت المرتبة الاولى.

عانق الفارس- الجوكي – فضّة بعد إحرازها للنصر الاول ثم ربت السائس على أردافها الصقيلين ورقص مالك الفرس بهذا الفوز الذي درّ عليه بأموال كثيرة وغير متوقعة.

في زريبتها صهلت فضة بعد عناء السباق وأرتحل لهاث ذاكرتها الى فضاءات بادية النجف حين كانت تقلد خبب أمها الحسناء فوق الرمال الساخنة، وهي تتبع حوافر قوافل الامومة المسترسلة نحو الشمس.

توالت إنتصارات فضة في سباقاتها والتي كانت عادةً ماتتوج في المرتبة الاولى أو الثانية أحياناً وباتت هذه الفرس مشهورة بين المتنافسين حيث يراهن عليها الكثيرون.

في الفترة الاخيرة أرهقت وتراجعت فضّة على أثر مزايدات الرهانات المستمرة وجشع المالك الذي كان همه الارباح والشهرة من وراء تلك الفرس، فبات العد تنازلياً لسباقاتها. وكانت خيبات كبيرة للمراهنين بخسارات متلاحقة لسباقات فضة والتي باتت تضمحل سرعتها ويهبط نشاطها.

حتى غضب سيدها الجشع ذات يوم وسجنها في الزريبة دون شعير أو ماء.

أخيراً باع المالك تلك الفرس الاصيلة بعد أن يأس من إحرازها لأي فوز جديد في سباقات الخيول الى حوذيّ فضّ لا رحمة في قلبه.

باتت فضّة تجر العربة المحملة بالطابوق وأكياس الاسمنت من أطراف بغداد حيث “منطقة المعامل” الى مناطق بغداد الشعبية.

وكان سخام أفران معامل الطابوق والدخان قد لوث جسد فضة الذي كان يتألق مع شعاع الشمس.

كانت الفرس تتطلع من وراء رموشها المسترسلة الحزينة الى دروب القهر المستديمة وهي تهش الذباب النزق عن ضفاف جراحات ردفيها الملتهبتين والنازفتين، حين اثخنت جراحها بأسرجة الجلد والحبال القاسية وسياط الحوذي الهمجي.

عبأ الحوذي الجشع بأكداس الطابوق المفخور في حوض العربة الخشبية وكانت الحمولة قاسية اكثر مما تتحملها قدرة الفرس، وكان الحوذي ينهال بسوطه الجلدي على ردفي الفرس.

كانت الشمس تنتصب عمودية والسراب يتماوج في أحضان الشارع الاسفلتي الملتهب بنيران صيف شهر آب، وسعير العطش كان يتأجج في أوصال فضّة وكآن الطريق يمتد دون نهاية والحوذي ينهال بسياط النار فوق ظهر الفرس، وفضّة تنوء تحت ثقل الطابوق الذي انهك قواها.
إنعطفت العربة وتعثرت الفرس ثم تهاوت على الرصيف وتشظى الطابوق على أطراف الرصيف وعلى إمتداد الشارع الاسفلتي. استشاط الحوذي غضباً وانهال على فضّة بسوطه وشتائمه ، حاول رفع الفرس الى الاعلى لكن دون جدوى، لقد كسر ساق الفرس .
حل الحوذي وثاق وسرج الفرس ودفع بالعربة جانباً بمحاذاة الرصيف.

ثم سأل الحوذي جاره الشرطي بان يسدي له معروفاً بأن يمنح إطلاقة الرحمة الى رأس الفرس الجريحة في احتضاراتها فوق الرصيف ومن فوهة مسدسة المجاز للقتل.

جاء الشرطي البليد وبوجه دون ملامح وضغط على زناد مسدسه بسبابته الخشنة ليفرغ رصاصة الرحمة في رأس الفرس. سال الدم الساخن فوق رأس ورموش فضة الجميلة وإنحدر الدم على اسفلت الشارع.

نظرت فضة بعينيها الى السماء وودعت أرض العذاب والنكبات.

قد يعجيك ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زات صلة