قصة اليوم : فوق ضفاف الحزن البعيد هناك للقاص سعد محمد موسى

قصة اليوم : فوق ضفاف الحزن البعيد هناك للقاص سعد محمد موسى

فوق ضفاف الحزن البعيد هناك … سمعت صدى من وراء البحار لفجيعة تدعى ( مذبحة سبايكر ) … فنزفت روحي وتعاظم في اعماقي الأسى وانا وسط تناقضات هذا العالم اللامبالي والقاسي … كنت حينها اقبع في زاوية احد المقاهي وابكي بمرارة في داخلي !!

وسط ضحك ولغط الكثير من الناس المنحدرين من اصول مختلفة ولغات متعددة، الا انا كنت الوحيد الذي يحاور نفسه بلغة مختلفة لهذا اليوم لا يدركها سوى المكلومين امثالي !!
رسمت وكتبت بالحبر على الاوراق فوق طاولة المقهى وجوها مفزوعة منكوبة وحمائم وغيمة مثقبة بالرصاص ومطعونة بالخناجر …

ثم تقربت نادلة المقهى وحدقت بالأوراق قائلة : ان رسوماتك اليوم اكثر حزناً ولكن للأسف لا أفهم ماذا تكتب ؟؟!!

غادرت المقهى بخطى مثقلة بالهم وتائهة فأضعت الطريق الى الدار … وعبرت شوارع دون الانتباه الى اشارات العبور … فزعقت منبهات السيارات وتعالى صياح سائقي العجلات … وانا اردد مع نفسي واتخيل المجزرة.

فوق جسد الوطن البعيد والمبتلى …

يرجع الصدى

ويفيض الأسى

لنواح أم ثكلى تعفرت أصابعها بتراب الفجيعة والغياب وهي تلطم على وجهها وتناجي السماء على رحيل وليدها الوحيد والمغدور فتشظت العذابات في قلبها الموجوع وهي ترثي فقيدها المدلل : ( يملك الموت سوّ للزينّ چرباية ).

أو عروسة الاهوار المنكوبة هناك وسط أجمة القصب الموحش وبمحاذات انحناءات المشاحيف التي هاجرتها مجاذيفها وهي تستجير بعويلها وأحزانها المتوارثة منذ مأساة عشتار وزينب.

وقبل أن يكتمل نصاب شهر العسل في الليلة الثالثة غادر زوجها الفتيّ ( كلّة ) العرس … فبكى قمر الجنوب وحزنت النخلة وانحنى جذعها وتهاوت ظفائرها ويبست اعذاق تمرها … وذرفت العروس دموعها ينابيع للنذور والتمنيّ ..وهي تدلق بقايا الماء من آنية فخارية بكف مرتجف فوق الدرب الذي سلكته أخر الخطى نحو الاقدار المجهولة.

نكست العروس كلّة زفافها وبقيت تنتظر عودة الغائب بقلب يعتصره الالم ويئن في ثناياه الاسى وكأنها قد شيدت فوق ناصية الفراق سرادق لمأتم الحبيب … تجمع مسوخ الشر في يوم الغدر فاستباحوا الدماء … بمباركة الخونة وعرابي العار بين مآذنهم وخناجرهم الاثمة … وهم ينفثوا سعيرهم وغلهم وينحروا صبيان الرافدين … فكانت قيامة الدم البريء المباح في النهر … حين طفى فوق سطح الماء مثل الزنابق … ومجزرة اخرى كانت تقام فوق الرمال الحارقة … فتتهاوى اجساد ظمى … نازفة وهي تودع اخر الصباحات.

بكت الغيمة الغريبة هناك … فأمطرت نكبات وشجون فوق ارض انجبت من رحمها اسوء القتلة.

وفي مدينة دون قلب خذلت المغدورين .. وكانت شاهدة على المذبحة … واستكثرت عليهم قطرات ماء قبل الاعدام او حتى لحاف التراب كي يغطي الموت في العراء.

فتوارت الطيور الذبيحة قوافل في مواكب الاحزان ..وعرجت نحو ملكوت السماء الباكية وهي توشم بدمها وتعيد ثانية فجيعة عاشوراء.

_______________

* چرباية : سرير النوم
* كلّة : ناموسية
* مجزرة سبايكر … مأساة انسانية وابادة جماعية راح ضحيتها اكثر من 1700 شاب عراقي في مدينة تكريت بسبب الكراهية والطائفية … وحدثت تلك المذبحة في الثاني عشر شهر حزيران عام 2014…

قد يعجيك ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زات صلة