قصة اليوم : احتراق الخطى مابين الرمال والمدن بقلم سعد محمد موسى

احتراق الخطى مابين الرمال والمدن

نص ولوحة

بعد التدريبات القاسية والعقوبات البدنية والنفسية في المعسكر، أصدر آمر اللواء توجيهاته، بتوزيع الواجبات على الطلبة المفصولين، وكان واجبي حينها ان أكون حارساً على سجن الوحدة العسكرية.

كان سجن الوحدة الثانية من لواء 99 المشاة الآلي المدرع يحتوي على 22 سجين وهو عبارة عن صالة متوسطة مشيدة من الطابوق الاسمنتي(البلوك) في سط بادية (امام ويس) القاحلة.

ومن بوابة هذا السجن تبدأ قصة من ضمن بعض القصص التي حدثت أثناء خدمتي للعقوبة العسكرية المقررة لمدة سنة عام 1988 وبعد نهاية الحرب العراقية الايرانية.

في احدى الصباحات غير السعيدة أخبرني النائب ضابط “محيسن ” ان اصطحب السجين المريض الى مستشفى بعقوبة العسكري وقد أعطاني ورقة النزول المختومة من أدارة السجن والمصرح بها ان اتجاوز السيطرات العسكرية في الطرق المؤدية الى المستشفى. تناولت وثيقة النزول من النائب ضابط وقد ارتسمت ملامح فرح خبث مبطنه على وجه النائب ضابط البليد.

كنت عادةً ماأنعت النائب ضابط (محيسن) بـ “السحلية”، وبأنه امتداد لفصيلة السحالي والزواحف المنتمية الى مرحلة العصور القديمة جداَ وكنا غالباً ما نتبادل الكراهية مع تبادل التحايا العسكرية اليومية في ساحة العرضات، وهو يتشفى ويصف الطلبة المفصولين في الوحدة بانهم خونة وان مصيرهم البقاء في الخدمة العسكرية ابداً وان عليهم أن ينسوا بان هنالك أي أمل بتسريحهم والتحاقهم بالجامعة مرة أخرى.

في ظهيرة احدى ايام شهر آب القائظة والمغبرة برمال البادية.
ذهبت مأموراً الى المستشفى مع السجين “جواد”، الذي كان يعاني من وعكة صحية، بعد ان أقلتنا عجلة عسكرية الى المستشفى. تفحص الطبيب العسكري المريض ثم أخذت السجين الى الصيدلية لاخذ العلاج وبعدها توجهنا الى احد مطاعم مدينة بعقوبة لتناول وجبة العشاء. كان جواد صامتاً يلتهم طعامه ويتطلع باهتمام الى التلفزيون في صالة المطعم، وبعدها ذهبنا الى كراج بعقوبة وصعدنا باصاً مدنياً، و عندما نزلنا امام بوابة المعسكر كان الليل قد خيم على المعسكر وكنت حينها مرهقاً للغاية.

انتظرت مجيء عجلة عسكريه لتقلنا الى خلفيات المعسكر حيث السجن، لكنني يئست من مجيء اي عجلة، وكانت هنالك مسافة بضعة كيلو مترات مابين بوابة المعسكر المحاذي الى الشارع العام والمعسكر الخلفي, وكان السير بدون سلاح ليلاً في هذه المنطقة يعد مغامرة لاسيما وأن بادية “إمام ويس” تكون خطرة ليلا لان الذئاب الجائعة تبرح أوكارها للبحث عن فرائسها. وقد سبق وأن حصلت حوادث مرعبة في تلك الصحراء عندما افترست الذئاب بعض الجنود العزل حين أضاعوا الطريق المؤدي الى خيام المعسكر.
حاولت الاتصال بواسطة تلفون حرس البوابة بالضابط الخفر في المعسكر الخلفي فرد على مكالمتي متقاعساً وبصوت يغلب عليه النعاس أن أبقى مع السجين حتى قدوم أول عجلة عسكرية غداً لكي تقلنا الى سجن الوحدة..

لم يكن هنالك بديل أخر أعول عليه، غير أن أمكث في خيمة الحارسين مراقباً السجين ومنتظراً طلوع الفجر حيث مجيء اول عجلة عسكرية كي تنقلنا الى السجن في الخلفيات .

كان السجين قد استحوذ على احد أسرة الحرس ، وأنا جلست على كرسي أمام الخيمة وفي غفلة سريعة استحوذ عليّ سلطان النعاس فغلبني وبعد لحظات حين استيقظت من النوم لم اجد أثراً للسجين
هرعت مصعوقاً خارج الخيمة أبحث عن الهارب. سألت الحارسين فذهلا حين سمعا النبأ وأخذا يفتشان معي عند حدود البوابة وحول الخيمة، حتى يئسنا من البحث عنه. لقد اختفى تحت جنح الظلام وبسرعة البرق، فتشنا في كل مكان فلم يخلف الهارب اي أثر يذكر.

يبدو انه أستطاع ان يتسلل وبسرعة من فتحة الخيمة متخفياً دون أن يحدث اي ضجة او صوت ممكن ان يوقظني من وهلة السبات، وبعدها سار خلسة دون أن يثير أية حركة يلفت انتباه الحارسين عند البوابة. حتى وصل الى الشارع العام ومن هنالك أوقف باصاً أو شاحنة وذهب الى مكان ما.

في الفجر صعدت أول عجلة عسكرية نقلتني حيث المعسكر الخلفي. ذهبت الى آمر الوحدة العسكرية وأخبرته بما حدث, حدق في الاوراق التي كانت أمامه على الطاولة، ثم نظر اليّ وقال سأساعدك بمعروف واحد أيها الجندي ساعطيك فرصة 24 ساعة فاذا اتيت بالسجين فهذا انجاز يساعدك من التخلص من الورطة الكبرى التي أنت فيها واذا لم تأتي بالسجين خلال الفترة المحددة، فالقانون العسكري يحتم عليك اذن ان تخدم فترة عقوبة السجين المتبقية بين جدران السجن. انتهت المقابله اذهب حالا ولاتضيع الوقت :هذا ماصرح فيه الآمر غاضباَ.

غادرت الخيمة وأنا هلع ومربك ماذا سأفعل .. وأين اعثر على السجين .. وفي حالة اذا لم استطع العثور عليه ماذا سيحصل..؟؟ هل يعقل ان أخدم الفترة المتبقية للسجين خاصةً وأن جواد قد اعتاد على الهروب دائما، قد تصل عقوبتة في السجن الى عشرات السنين. فكرت في قرارة نفسي أن أهرب وان لا أعود الى المعسكر مرة أخرى اذا لم يسعفني الحظ بجلب السجين.

شعرت اني وحيد وضائع رفعت رأسي الى السماء وتنهدت بحيرة… ياإلهي ماالعمل ..؟ وأثناء الحوار مع ذاتي الحائرة وعلى حين غرةّ جاء جنديّ وتقرب منيّ وقال لاتقلق ياأخي انا أعرف عنوان السجين الهارب، لم أصدق ماسمعت بقيت فاغراً فمي، ومتسائلاً كيف عرف هذا الجندي حكايتي، نظرت الى الجندي غير مصدقِ ماسمعت.

“هل لك أن تساعدني ؟؟؟: سألت الجندي ابتسم متعاطفاً مع محنتي وتناول ورقة وقلما من جيب بنطاله ثم دون عنوان بيت جواد.

تطلعت في العنوان ووضعت الورقة في جيب قميصي، ثم صافحت الجندي بحرارة وشكرته. حثثت الخطى مسرعاً.. لوحت الى أول عجلة عسكرية بالتوقف. صعدت العجلة التي نقلتني الى الشارع الرئيسي، وبعدها صعدت تاكسي الى بغداد. كان القلق ينهشني ماذا سيحصل اذا لم اجد السجين ..؟ لقد كان هذا السؤال المصيري يراودني!!! لم أتوقف عن مراقبة الوقت والذي كان يدور كعجلة حادة تقطع شرايين جسدي، الطريق مابين “امام ويس” وبغداد حوالي ساعتين ونصف وصلت كراج النهضة وبعدها استاجرت سيارة أجرة الى احدى احياء “الثورة جوادر”حيث بدأت رحلة البحث عن عنوان الهارب بين بيوت الحي الفقيرة والتي كانت متداعية وبعضها آيل للسقوط وأغلب الشوارع كانت دون أسماء والبيوت أيضاً لاتحمل أرقام.

وبعد ساعات من التيه في الحي سألت أمرأة عن عنوان بيت أم جواد وكانت تلك المرأة تفترش الرصيف وتبيع الحلوى. أشارت بيدها الى البيت المقابل ،واخيراً يبدو اني قد دنوت بخطى اللهاث والقلق الى البيت المقصود، تقربت من الدار وطرقت الباب بعد لحظات ظهرت سيدة يبدو انها في العقد السادس من العمر تفاجأت بوجودي في البداية وانا أرتدي ملابس عسكرية سألت المرأة عن جواد ابنها الذي هرب الليلة الماضية، أجابتني بدهشة واستغراب انها لم تلتق بجواد منذ زمن كان ذلك قبل بضعة اشهر حين جاء الانضباط العسكري وقبض عليه من داخل الدار واودع السجن، بقيت في حيرة وإرباك وأعتصرني ألم اليأس. دعتني الام أن أدخل كي افتش الدار لكي أكون على يقين من كلامها، لكني صدقت كلام الام التي كان يبدو عليها انها امرأة جنوبية بسيطة أدركت ذلك منذ الوهلة الاولى من لباسها التقليدي والوشم المرسوم على تضاريس وجهها المتعب وكفيها. لم تعد هنالك ضرورة لدخول الدار، هممّت بالذهاب وانا أوشك ان أجر أذيال الخيبة لولا سماعي الى نداء استوقفني .. التفت الى الخلف فساهدت شاب في مقتبل العمر أدركت انه الابن الاصغر للسيدة ام جواد للعائلة.

قال ايها الاخ لاتبتئس اعتقد اني اعرف اين جواد يختبأ الان، شعرت ببصيص أمل وربما ببادرة تاخذني لايجاد مكان السجين نظرت الى الشاب الصغير وكأنه الامل الاخير : أين تتوقع ان يكون اخيك مختبئاً !!??? سألت الشاب.

في بيت اختي الكبرى في بعقوبة هذا ماصرح به الصبي. حسناً هل لك ان تأتي معي وتساعدني رجاءاً اخبرت الشاب .نظر الولد الى أمه وطلب الاذن وافقت الام ان يرافقني ولدها .

استوقفت أول سيارة أجرة عبرت الشارع الرئيسي, صعدنا داخل السيارة وأخبرت سائق التاكسي أن يتجه نحو بعقوبة وطلبت منه ان يضاعف السرعة وسأدفع له أجرة اضافية لان الحالة طارئة جداً، تفهم السائق ذلك على مايبدو كنت منهمكاً وقلقاً إزاء مهمة الساعة “الرابعة والعشرون”، وانا أترقب الوقت لحظة بلحظة حدثني الشاب الصغير أثناء رحلة التاكسي السريعة عن حياة جواد وعن كرهه للجيش وعشقه للاعتكاف في البيت وحبه الشديد لمشاهدة برامج التلفزيون، وحدثني عن بؤس العائلة لم أكن أكترث لهذه المعلومات لقد كان همي الاوحد أن أعثر على السجين الهارب.
بعد دخولنا الى مدينة بعقوبه أشار الشاب للسائق ان يتوقف أمام دار يبدو ان اصحابه من الطبقة المتوسطة. غادرنا سيارة الاجره بعد ان دفعت لسائق التاكسي اجرته

طلبت من الشاب ان يطرق الباب أولاً، بعد أن تنحيت جانباَ.
فتحت الباب سيدة أربعينية عانقت أخاها بود واثناء رؤيتها لي وانا بالملابس عسكرية تفاجأت وأدركت حينها مغزى المجىء عرفتها بنفسي وتحدثت بشكل مقتضب عما حصل وأن الغرض من وجودي الان هو استرجاع السجين, قالت نعم أيها المأمور ان أخي الهارب موجود داخل الدار قالت السيدة ودعتني للدخول وطلبت مني متوسلة ان لا أمس أخاها بسوء قلت لها ابدا أن واجبي فقط هو استرجاعه للسجن لاني متورط بما حصل بعد هروبه. تعاطفت السيدة معي واشارت الى المكان الذي يختبي فيه الاخ الهارب. مسكت بمقبض الباب ودفعته بسرعة ،وجدت جواد حينها يفترش الارض وقد كان يحتضن إناء كبيراَ مليئاً بفاكهة الاجاص والمشمش، وهو يتفرج على التلفاز، وحين رآني واقفاً امام باب الغرفة صعق، و كاد أن يتوقف قلبه من الرعب والصدمة، لكنه يبدو سرعان مايئس من فكرة الافلات او الهروب هذه المرة، فبدت عليه معالم الاستسلام… حينها استوعب الصدمة وأخذ يتمتم مذعوراً اللعنة عليكم انكم تلاحقونني اينما أختبىء واينما أكون ماذا تريدون مني، وراح يصرخ اني اكرة الجيش واكره ان أكون جنديا، هدأت الاخت من روعه وقالت له أهدأ يأخي هذا الجندي طيب ولايمكن ان يؤذيك !!!.

اخبرتني الاخت بعد ذلك ان احدى اسباب هروب اخيها من السجن هو ولعه الشديد بمشاهدة التلفزيون وكان كل مايتمناه ان يعتكف في غرفة فيها تلفزيون وحلوى وفاكهة بالقرب من عائلته المتعلق بها كثيراَ.

أمرت جواد أن بنهض حالاَ ويستعيد للمغادرة، لكنه أبى ان يبرح الغرفة قلت له أيها الهارب عليك ان تنصاع للامر وتاتي معي لن تفلت مني هذة المرة حين أدرك جديتي وغضبي تحول حينها الى طفل يتوسل ويرفض ويعاند، تقربت الاخت بعدها من جواد وعانقته وقالت له اذهب مع المأمور انه طيب لن يؤذيك وسيساعدك بطلب اجازة اسبوعية من الضابط وسوف تعود مرة أخرى لزيارتنا وأيضاً سيطلب من آمر السجن ان يجلب لك تلفزيون للسجن. كانت الاخت تعيّ عفوية وسذاجة جواد وكان الاخ يصدق كلام أخته دائماً ويثق بها كثيراً، وافق أخيراً على مضض أن يأتي معي فلاخيار غير ذلك وهو يحدق فيّ ويقول سأذهب معك اذا وعدتني بان تطلب من الضابط أن يجلب لي تلفزيون الى السجن، تكلم هذا الطفل الوحشي والبريء والذي يرفض ان يعيش داخل سجن بعيداً عن طقوسه الطفولية البسيطة. كان جواد متشبثاً بسماواته الاولى وعوالمه الطفولية التي لن تبرحه رغم دخول عمره في بدايات العقد الثالث وهو مازال طفلاً معذباً يحن الى الحلوى والتلفزيون ودفء البيت. شعرت بحزن أزاء جواد وحزن أشد أزاء ذاتي المقهورة.

أخبرتني السيدة أن وجهي يبدو متعباً واحتاج الى راحة وأقترحت أن نتناول العشاء وبعدها أذهب مع اخيها السجين.

شكرأ لا استطيع وعلي ان التحق بالمعسكر خلال الـ 24 ساعة المحددة : اخبرت اخت جواد ثم غادرنا البيت.

صعدنا باصاً من كراج بعقوبه الى معسكر إمام ويس.

جلست قرب النافذة والسجين بجانبي خشية من ان يغتنم فرصة أخرى ويهرب من نافذة الباص كنت منهكاً لكني كنت أقاوم النعاس والتعب ومصراً ان لا يغلبني النعاس هذه المرة ولايتكرر الخطأ مرة اخرى مثلما حدث في الخيمة الملعونة. غادرالباص كراج بعقوبة باتجاة مدينة ديالى كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً مازالت هنالك 5 ساعات متبقية من مهمة الاربع والعشرين ساعة ، الرحلة تستغرق ساعتين ونصف الى المعسكر.

تأملت في فضاءٍ الليل الموحش من وراء نافذة الباص المتوجه شمالاً نحو مدينة ديالى ، وقد تسللت الى داخل الباص رائحة الاخشاب وسعف النخيل المحروق المنبعثه من تنانير القرى وكانت رائحة الدخان البعيد ممزوجة بروائح حقول البرتقال والرمان وبساتين النخيل المنتشره بمساحات شاسعة أثناء مرورنا بالقرى والمزارع.

شعرت في هذة اللحظات اني مثل طفل يتيم تتفجر في اعماقه رغبة للبكاء الدفين وشعرت حينها أيضاً أنا السجين وأنا السجان أنا الخنجر وأنا الطعنة وأنا الجلاد المبتلى والضحية المنسية.

كان الباص يخترق الطريق المعتم والهادىء والقمر الخجول يتعقب الباص بصمت وبتوجس مثل كلب كان يتعقب قافلة ولايكترث أين تحط تلك القافلة رحالها.

انسابت وسط شخير الركاب أغاني فريد الاطرش بعد أن غط أغلب المسافرين بنوم متقطع فوق كراسيهم.

تطلع جواد في وجهي وكان متأثراً وأبدى اعتذاره لانه سبب ليّ كل هذه المتاعب، لم أرد على أعتذارات جواد.

استدرت الى جواد وكان يغط في نوم طفولي شعرت بشفقة نحوه ظننت، انه يحلم الان بتلفازه وبافلام كارتون (توم وجيري)؟؟؟
شعرت حينها أنا وجواد سجينان ومبعدان قسراً عن أحلامنا وفرحنا، فمن يكون السجين ومن يكون السجان، ومن يكون القفص ومن يكون الطائر… أستفاق جواد من نومه خائفاً وسألني مفزوعاً :هل تعتقد ان في السماء توجد تلفزيونات؟؟؟؟

ابتسمت لسؤال جواد الطفولي الساذج .. ثم اجبته: انا سمعت ان هنالك فاكهة مما تشتهون في السماء لكني لم اسمع بوجود تلفزيونات.

ماهذا السؤال الغريب ياجواد لاتفكر بالموت .. هنالك اشياء كثيرة تستحق ان نصبر من اجلها !!!

عند اقتراب الباص من المعسكر بدأت مسحة خوف ترتسم على وجه جواد وكان هلعا من حراس السجن الاخرين ان يعاقبوه. وعدته ان أبذل مابوسعي لحمايته شعر وكأني أصبحت صديقه الحميم وأدرك جواد مقدار حزني وشعر أيضا أني سجين ومعاقب مثله. توقف الباص امام المعسكر ونزلنا سوية تجمع بعص اصدقائي الجنود والحرس مباركين لي ان جلبت السجين البعض اراد ان يهين السجين فمنعتهم واخبرتهم أني سامحته وانا وعدت اخته وأعطيتها كلمتي لن يمس جواد أحد بسوء.

دخل جواد السجن مرة اخرى ، أما انا فجاءت الاوامر العسكرية بنقلي الى المطبخ عقوبتي كانت ان أنظف واغسل أكبر قدور طبخ رأيتها في حياتي كانت تستخدم لاطعام عشرات الجنود في المعسكر، وان أقطع يومياً عشرات الكيلوات من البصل فكانت تلك أحدى العقوبات الكثيرة أثناء خدمة السنة التي تبدو فيها عقارب الزمن تزحف ببطىء.

أخر مرة شاهدت فيها جواد كانت في يوم هبت فيه عواصف رملية غطت البادية وكان جواد واقفاً في طابور السجناء منتظرأ شراء حلوى وفاكهة من حانوت عجلة “إيفا” العسكرية المتنقلة بين معسكرات اللواء، لوحت الى جواد بيدي وصاح خلفيّ :كيف حالك ياصديقي “سعد” هل كلمت الضابط ان يجلب تلفزيون وماذا بشأن الاجازة التي وعدتني بها !!؟؟ لم التفت الى جواد ضحكت بألم وشعرت برغبة بالبكاء لم أستطع دفن نزيف الحزن هذه المرة انسالت دمعة ساخنة معفرة برمال الصحراء فوق تضاريس وجهي الذي يبدو أكثر حزناً .

قطعت المخيم سيراً دون هدف، وخطاي تنأى في اعماق وحشة القفار الذي ابتلعني بعيدا.. بعيدا وكانت صدى توسلات جواد مازالت تنهمر كالكثبان الرملية في بادية التيه ومثل سراب خلفته أخر القوافل لم أرى جواد أو اسمع عنه بعد تلك الظهيرة العاصفة.
لكني أحياناً أتساءل عن مصيرجواد .. تُرى ماذا حصل له !!!!!! واين هو الان؟؟ هل مات بالسجن؟ وفي أعماقه حسرة دفنت مع جسده النحيل الى امتلاك جهاز تلفزيون أو ربما حصل على حريته بعفو أو “مكرمة”، وهل يجلس الآن أمام شاشة كبيرة مع عائلته
وفاكهته المفضلة والحلوى دون اي خوف من ان يعود للسجن مرة أخرى.

قد يعجيك ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زات صلة