إعلام النرويج يتجاهل ذكرى اتفاق اوسلو والفلسطينيين والاسرائيليين يتحدثون عنه

صوت النرويج 13 سبتمبر 2008/اوسلو/ فيما وسائل الاعلام العربية وتحديدا الفضائيات العربية تتحدث بكثب عن مرور 15 عاما على توقيع اتفاقية اوسلو يتجاهل الاعلام النرويجي بمعظمه هذه الذكرى التي لم يعد يذكرها وكأن الزمان اكل عليها وشرب.

كثيرون يجمعون في اوسلو ان هدف ودور النرويج تركز على ان اكتساب الشهرة وان يكون لهم اسم على الساحة الدولية وليس بالفعل تقديم حلول وسلام بين الطرفين وذلك من خلال الحقائق التي كشفت لاحقا من قبل باحثين نرويجيين الذي اجمع اغلبهم ان دور النرويج هو الضغط على الفلسطينين الطرف الضعيف لصالح الطرف الاسرائيلي. وان اختفاء وثائق ومادار في مفوضات اوسلو السرية من ارشيف الخارجية وانكار لارسن وزوجته يول الذين كان لهم دور بالمفاوضات ان يكون لديهم وثائق كل ذلك شكك فكرة ان يكون دور النرويج نزيها وفق ماكتبته الباحثة هيلد هنريكسن في كتاب عن مفاوضات اوسلو السرية.

عموما نختار هذا المقال للكاتب نواف الزور عن هذه الذكرى:

بينما يقول الرئيس الفلسطيني في لقاء له مع “هآرتس” العبرية بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على اوسلو: “هذا أمر لا يصدق، أبعد من أي خيال أننا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام حتى الآن، ولكن اليوم أيضا، أنا على قناعة أنني كنت سأوقع على اتفاق أوسلو، وانا لا أندم على اتفاق أوسلو” (هآرتس-12/09/2008).

وبينما يقول اوري سافير- مدير عام وزارة الخارجية ونائب سابقا، الذي ادار المفاوضات السرية التي ادت الى اتفاقات اوسلو – في “معاريف” (11 / 9 / 2008) ان “اوسلو ما زال هو الطريق وانه لا سلام بدونه”، يوضح المحلل الاسرائيلي اليكس فيشمان في مقال نشره في “يديعوت” (12/9/2008) تحت عنوان” القانون الحديدي”قائلا: “القانون الحديدي الذي تجذر منذ اوسلو: السياسيون في الشرق الاوسط ملزمون بإجراء مفاوضات ولكن من المحظور عليهم الوصول الى الهدف، فالتفاوض يعني البقاء والحكم اما اتخاذ القرارات فيعني الموت السياسي، والوصفه الموثوقة لضمان حياة طويلة للسياسيين هي مفاوضات عقيمة”.

وعن موت اوسلو كان نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق وربما القادم ايضا قد أعلن في عهده غير مرة: “أن اتفاق أوسلو قد مات” و”أنه يعتزم خفض سقف الطموحات الفلسطينية إلى أدنى حد ممكن”.

وتحدثت مصادر إسرائيلية سياسية وأمنية وإعلامية عديدة في ذلك الوقت عن “موت” أو “احتضار” أوسلو أو “أنه في غرفة العناية المكثفة” .. فتحدثت صحيفة “هآرتس” مثلاً عن “أن كل الطرق تؤدي للهروب من أوسلو – إسرائيلياً”، وأكد شلومو غازيت الجنرال الاحتياط والمفكر الاستراتيجي الإسرائيلي المعروف “أن اتفاق أوسلو مات”، بينما دعا يوسي بيلين مهندس أوسلو من الجانب الإسرائيلي – سابقاً – إلى “تأجيل مفاوضات التسوية الدائمة.

وعمليا تحقق كل ذلك، غير ان القيادة الفلسطينية لا تريد ان ترى ذلك وتتمسك باستمرار المفاوضات من اجل المفاوضات فقط ولانه لا بديل من وجهة نظرها للمفاوضات!

حتى من الجانب الفلسطيني تحدثت كذلك مصادر فلسطينية سياسية رسمية وفصائلية مؤيدة ومعارضة على حد سواء، وفي أكثر من مناسبة عن “أن أوسلو في غرفة الإنعاش”، وأن العملية برمتها في “مأزق” أو في “نفق مظلم”، وأن على الفلسطينيين البحث عن مخرج لهذا المأزق – هاني الحسن- كمثال- في وثيقته حول مأزق أوسلو مثلاً .

فمنذ البدايات تبنى الفلسطينيون والعرب السلام كخيار استراتيجي بعد أن سقط الخيار العسكري تماماً بعد كامب ديفيد، وكان شعار مدريد “الأرض مقابل السلام” على أساس قرارات مجلس الأمن المعروفة _ 242 و 338 فجاء اتفاق أوسلو الالتفافي على مفاوضات واشنطن _ والوفد الفلسطيني بقيادة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي _ ليفاجئ الجميع بصيغة أخرى وليفعل فعله في خلق وتكريس المأزق الفلسطيني الداخلي من جهة، وليفاقم المأزق الفلسطيني في مواجهة مشروع الاحتلال من جهة أخرى.

والتفسير الرسمي الفلسطيني لأوسلو: أنه يتكون من مرحلتين الانتقالية باستحقاقاتها المختلفة وخاصة على صعيد تطبيق الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع _ ولتستمر هذه المرحلة مدة خمس سنوات، تسلم إسرائيل في إطارها معظم الأراضي المحتلة إلى السلطة الفلسطينية التي يجب أن تصل نسبتها إلى نحو 90% من المساحة الإجمالية، والمرحلة الدائمة التي كان يجب أن تبدأ مفاوضاتها عام/1998 حول القضايا الفلسطينية الجوهرية المؤجلة، لتنتهي المرحلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الرابع من أيار 1999.

أما التفسير الإسرائيلي فمختلف تماماً، حيث يتحدث فقط عن حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة والقطاع في المرحلة الانتقالية، وعن تسوية دائمة للقضايا المؤجلة في المرحلة الثانية دون أي إشارة إلى استقلال فلسطيني في إطار دولة، وتحدث باراك تحديداً عن الفصل والانفصال عن الفلسطينيين وقد واصل في هذه النقطة طريق رابين.

فما الذي حدث اذن على مدى سنوات المفاوضات السابقة…؟

العنوان الكبير الذي ميز المرحلة السابقة من عمر عملية المفاوضات العقيمة الذي يمكن أن نضع تحته خطوطاً مشددة بلا نهاية هو: لعبة المتاهات وكسب الوقت من قبل الاحتلال وتكريس واقع الاحتلال والاستيطان والتهويد، وعن معطيات ذلك فلا حصر للوثائق…!

فقد خضع الفلسطينيون والعرب للعبة الإسرائيلية المعروفة والمخبورة جيداً: لعبة المماطلة والتسويف والتتويه والتفكيك والانتقال من الجوهري إلى الهامشي ومن الأساسي إلى الإجرائي.. إنها لعبة المتاهات الإسرائيلية.

ففرض رابين في عهده هذه اللعبة على الفلسطينيين حينما أخذ يتفلت ويتهرب تباعاً من استحقاقات المرحلة الانتقالية وخاصة على صعيد الانسحاب من الأراضي.. ورفع شعاره المعروف بـ “أن لا مواعيد مقدسة لديه”.

فيما دخلت إسرائيل والمنطقة في مفترق طرق بعد اغتيال رابين، لتصبح عملية السلام كلها في مهب الرياح الإسرائيلية.

ثم جاء الجنرال نتنياهو بثوبه المدني ليفرض على الفلسطينيين والعرب الدخول مرة أخرى في نفق المتاهات وفقدان البوصلة والتوجهات والمرجعيات وأوراق الحول والضغط وطغى على سياساته آنذاك شعار:
“اذا اعطوا وقدموا.. يأخذوا…!”، وقد أخذ الفلسطينيون من نتنياهو لعبة المتاهات وقتل الوقت وتوسيع وتكريس الاستيطان…!

ثم جاءنا الجنرال باراك بمطلبيه المعروفين: “انهاء نزاع القرن”، و”انهاء المطالب الفلسطيني”، ثم جاءنا شارونهم البلدوزري ليشرع في اجتياحات “السور الواقي” في الضفة والقطاع بهدف تدمير ليس فقط اوسلو بمنجزاته البائسة، وانما للاجهاز على انتفاضة الاقصى والقضية الفلسطينية، بينما يواصل اولمرت حتى اللحظة نهج شارون في استيطان وتهويد “ارض اسرائيل”، وليس من شك ان من سيأتي بعد اولمرت قريبا سيواصل السياسة ذاتها…!

وعلى المستوى الميداني توضح المعطيات أن الخرائط الإسرائيلية جاءت أولاً وقبل كل شيء من المنطلق الأيديولوجي اليميني الصهيوني الذي يعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة جزءاً من “أرض إسرائيل” وأن على الفلسطينيين أن يقبلوا “الحكم الذاتي” لهم كسقف سياسي، وفي هذا الصدد نشير إلى تصريح لباراك الذي اعتبر فيه “أن قرارات الأمم المتحدة 242 و338 لا تسري على الضفة الغربية وقطاع غزة” (صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، عدد 8/11/1999).

لذا نرى أن الخرائط تقطع أوصال الجسم الفلسطيني والوحدة الجغرافية والسكانية الفلسطينية إلى أجزاء وجيوب أو كانتونات وغيتوات معزولة محاصرة بتكتلات المستوطنات ومعسكر الجيش.

ويمكن القول أن الخرائط الاسرائيلية تقود إلى تكريس واقع الاحتلال والسيطرة الاستراتيجية الاسرائيلية على الأراضي المحتلة وتجهض مقومات إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ونتابع ونرى كيف دخلت المفاوضات نفقاً طويلاً معتماً بلا مخرج.. وكيف غرزت في الأوحال بلا حراك أو تقدم حقيقي …؟!

ولذلك نعود لنتساءل اليوم ايضا بعد مرور خمسة عشر عاما على اوسلو:
– أين نحن اليوم حقيقة من آفاق الحل النهائي في القضايا الجوهرية الكبيرة المعلقة..؟
– وأين أصبح موقع هذا الحل في المساحة الممتدة بين الوهم والحقيقة..؟
– وإلى أين قادتنا المفاوضات منذ ذلك الوقت..؟
ثم والأهم من ذلك كله، ما هي السيناريوهات والآفاق والاحتمالات المقروءة لهذه المفاوضات..؟

الواضح اننا نقف اليوم في الحقيقة أمام مشهد سياسي ومسار تفاوضي عقيم حينما تكون كل المفاوضات والمؤتمرات السلامية بلا “جداول زمنية” ملزمة، وبلا “مواعيد مقدسة” تحترمها اسرائيل او الادارة الامريكية، فنحن بالتالي امام طريق مسدود حتما، وامام مفاوضات عقيمة متأزمة تتنفس تحت الماء، وامام خيبات أمل فلسطينية وعربية متلاحقة، وحسابات فلسطينية مرتبكة، لم تتطابق فيها أبداً حسابات الحقل مع حسابات البيدر، الأمر الذي يبقي الملفات مفتوحة على كافة الاحتمالات بما فيها الاحتمال المرجح دائما في ظل الاحتلال بلا افق سياسي استقلالي وهو حتما الانتفاضات والمواجهات واسعة النطاق.

بقلم: نواف الزرو

كاتب وباحث متخصص في الشؤون الإسرائيلية يقيم في الأُردن. nawafzaru©yahoo.com

//انتهى/ادارة تحرير صوت النرويج

قد يعجيك ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زات صلة